كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



2- عن زيد بن أرقم قال: «كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام».
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا اللفظ أحد ما يستدل به الناسخ والمنسوخ وهو ذكر الراوي لتقدم أحد الحكمين على الآخر وهذا لا شك فيه وليس كقوله: هذا منسوخ من غير بيان التاريخ فإن ذلك قد ذكروا فيه: أنه لا يكون دليلا لاحتمال أن يكون الحكم بالنسخ عن طريق اجتهادي منه.
الثاني: القنوت يستعمل في معنى الطاعة وفي معنى الإقرار بالعبودية والخضوع والدعاء وطول القيام والسكوت وفي كلام بعضهم ما يفهم منه: أنه موضوع للمشترك.
قال القاضي عياض: وقيل: أصله الدوام على الشيء فإذا كان هذا أصله فمديم الطاعة قانت وكذلك الداعي والقائم في الصلاة والمخلص فيها والساكت فيها كلهم فاعلون للقنوت وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من استعماله في معنى مشترك وهذه طريقة طائفة من المتأخرين من أهل العصر وما قاربه يقصدون بها دفع الاشتراك اللفظي والمجاز عن موضوع اللفظ ولا بأس بها إن لم يقم دليل على أن اللفظ حقيقة في معنى معين أو معاني ويستعمل حيث لا دليل يقوم دليل على ذلك.
الثالث: لفظ الراوي يشعر بأن المراد بالقنوت في الآية: السكوت لما دل عليه لفظ حتى التي للغاية والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها.
وقد قيل: إن القنوت في الآية الطاعة وفي كلام بعضهم: ما يشعر بحمله على الدعاء المعروف حتى جعل ذلك دليلا على أن الصلاة الوسطى هي الصبح من حيث قرانها بالقنوت والأرجح في هذا كله: حمله على ما أشعر به كلام الراوي: فإن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمون بسبب النزول والقرائن المحتلفة به: ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات وبيان المجملات فهم في ذلك كله كالناقلين للفظ يدل على التعليل والتسبيب وقد قالوا: إن قول الصحابي في الآية نزلت في كذا يتنزل منزلة المسند.
الرابع: قوله: «فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» يقتضي أن كل ما يسمى كلاما فهو منهي عنه وما لا يسمى كلاما فدلالة الحديث قاصرة في النهي عنه.
وقد اختلف الفقهاء في أشياء: هل تبطل الصلاة أم لا؟ كالنفخ والتنحنح بغير علة وحاجة وكالبكاء والذي يقتضيه القياس: أن ما سمي كلاما فهو داخل تحت اللفظ وما لا يسمى كلاما والذي يقتضيه القياس: أن ما سمي كلاما فهو داخل تحت اللفظ وما لا يسمى كلاما فمن أراد إلحاقه به كان ذلك بطريق القياس فليراع شرطه في مساواة الفرع للأصل أو زيادته عليه واعتبر أصحاب الشافعي ظهور حرفين وإن لم يكونا مفهومين فإن أقل الكلام حرفان.
ولقائل أن يقول: ليس يلزم من كون الحرفين يتألف منهما الكلام: أن يكون كل حرفين كلاما وإذا لم يكن كلاما فالإبطال به لا يكون بالنص بل بالقياس على ما ذكرنا فليراع شرطه اللهم إلا أن يريد بالكلام كل مركب مفهما كان أو غير مفهم فحينئذ يندرج فيه تحت اللفظ إلا أن فيه بحثا.
والأقرب: أن ينظر إلى مواقع الإجماع والخلاف حيث لا يسمى الملفوظ به كلاما فما أجمل على إلحاقه بالكلام ألحقناه به وما لم يجمع عليه- مع كونه لا يسمى كلاما- فيقوي فيه عدم الإبطال ومن هذا استبعد القول بإلحاق النفخ بالكلام ومن ضعيف التعليل فيه: قول من علل البطلان به بأنه يشبه الكلام وهذا ركيك مع ثبوت السنة الصحيحة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف في سجوده» وهذا البحث كله: في الاستدلال بتحريم الكلام.
3- عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: الإبراد أن تؤخر الصلاة عن أول الوقت مقدار ما يظهر للحيطان ظل ولا يحتاج إلى المشي في الشمس هذا ما ذكره بعض مصنفي الشافعية وعند المالكية: يؤخر الظهر إلى أن يصير الفيء أكثر من ذراع.
الثاني: اختلف الفقهاء في الإبراد بالظهر في شدة الحر: هل هو سنة أو رخصة وعبر بعضهم بأن قال: هل الأفضل التقديم أو الإبراد؟ وبنوا على ذلك: إن من صلى في بيته أو مشى في كن إلى المسجد: هل يسن له الإبراد؟ فإن قلنا: إنه رخصة لم يسن إذ لا مشقة عليه في التعجيل وإن قلنا: إنه سنة أبرد والأقرب: انه سنة لورود الأمر به ما مع اقترن به من العلة وهو أن «شدة الحر من فيح جهنم», وذلك مناسب للتأخير والأحاديث الدالة على فضيلة التعجيل عامة أو مطلقة وهذا خاص ولا مبالاة- مع ذكرنا من صيغة الأمر ومناسبة العلة- بقول من قال: إن التعجيل أفضل لأنه أكثر مشقة فإن مراتب الثواب إنما يرجع فيها إلى النصوص وقد يترجح بعض العبادة الخفيفة على ما هو أشق منها بحسب المصالح المتعلقة بها.
الثالث: اختلف أصحاب الشافعي في الإبراد بالجمعة على وجهين وقد يؤخذ من الحديث الإبراد بها من وجهين:
أحدهما: لفظة الصلاة فإنها تطلق على الظهر والجمعة.
والثاني: التعليل فإنه مستمر فيها وقد وجه القول بأنه لا يبرد بها لأن التبكير سنة فيها وجواب هذا ما تقدم وبأنه قد يحصل التأذي بحر المسجد عند انتظار الإمام.
4- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]».
ولمسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها: أن يصليها إذا ذكرها».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه يجب قضاء الصلاة إذا فاتت بالنوم أو النسيان وهو منطوقه ولا خلاف فيه.
الثاني: اللفظ يقتضي توجه الأمر بقضائها عند ذكرها لأنه جعل الذكر ظرفا للمأمور به فيتعلق الأمر بالفعل فيه.
وقد قسم الأمر فيه عند بعض الفقهاء بين ما ترك عمدا فيجب القضاء فيه على الفور وقطع به بعض مصنفي الشافعية وبين ما ترك بنوم أو نسيان فيستحب قضاؤه على الفور ولا يجب واستدل على عدم وجوبه على الفور في هذه الحالة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استيقظ- بعد فوات الصلاة بالنوم- أخر قضاءها واقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي وذلك دليل على جواز التأخير وهذا يتوقف على أن لا يكون ثم مانع من المبادرة.
وقد قيل: إن المانع أن الشمس كانت طالعة فأخر القضاء حتى ترتفع بناء على مذهب من يمنع القضاء في هذا الوقت ورد بذلك بأنها كانت صبح اليوم وأبو حنيفة يجيزها في هذا الوقت وبأنه جاء في الحديث: «فما أيقظهم إلا حر الشمس» وذلك يكون بالارتفاع.
وقد يعتقد مانع آخر وهو ما دل عليه الحديث من أن الوادي به شيطان وأخر ذلك للخروج عنه ولا شك أن هذا علة للتأخير والخروج كما دل عليه الحديث ولكن هل يكون ذلك مانعا على تقدير أن يكون الواجب المبادرة؟ في هذا نظر ولا يمتنع أن يكون مانعا على تقدير جواز التأخير.
الثالث: قد يستدل به من يقول بأن من ذكر صلاة منسية- وهو في الصلاة- أن يقطعها إذا كانت واجبة الترتيب مع التي شرع فيها ولم يقل بذلك المالكية مطلقا بل لهم في ذلك تفصيل مذهبي بين الفذ والإمام والمأموم وبين أن يكون الذكر بعد ركعة أولا فلا يستمر الاستدلال به مطلقا وحيث يقال بالقطع فوجه الدليل منه: أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر ومن ضرورة ذلك: قطع ما هو فيه ومن أراد إخراج شيء من ذلك فعليه أن يبين مانعا من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها ولا يخلو هذا التصرف من نوع جدل والله أعلم.
الرابع: قوله عليه السلام: «لا كفارة لها إلا ذلك» يحتلم أن يراد به: نفي الكفارة المالية كما وقع في أمور أخر فإنه لا يكتفي فيها إلا بالإتيان بها ويحتمل أن يراد به: أنه لا بدل لقضائها كما تقع الأبدال في بعض الكفارات ويحتمل أن يراد به: أنه لا يكفي فيها مجرد التوبة والاستغفار ولابد من الإتيان بها.
الخامس: وجوب القضاء على العامد بالترك من طريق الأولى فإنه إذا لم تقع المسامحة- مع قيام العذر بالنوم والنسيان- فلأن لا تقع مع عدم العذر أولى.
وحكى القاضي عياض عن بعض المشايخ: أن قضاء العامد مستفاد من قوله عليه السلام: «فليصلها إذا ذكرها» لأنه بغفلته عنها وعمده كالناسي ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها وهذا ضعيف لأن قوله عليه السلام: «فليصلها إذا ذكرها» كلام مبني على ما قبله وهو: «من نام عن صلاة أو نسيها» والضمير في قوله: «فليصلها إذا ذكرها» عائد إلى الصلاة المنسية أو التي يقع النوم عنها فكيف يحمل ذلك على ضد النوم والنسيان وهو الذكر واليقظة؟ نعم لو كان كلاما مبتدأ: مثل أن يقال: من ذكر صلاة فليصلها إذا ذكرها لكان ما قيل محتملا على تمحل مجاز.
أما قوله كالناسي إن أراد به: أنه مثله في الحكم فهو دعوى ولو صحت لكان ذلك مستفادا من اللفظ بل من القياس أو من مفهوم الخطاب الذي أشرنا إليه وكذلك ما ذكر في ذلك من الاستناد إلى قوله: «لا كفارة لها إذا ذلك» والكفارة إنما تكون من الذنب والنائم والناسي لا ذنب لهما وإنما الذنب للعامد- لا يصح أيضا لأن الكلام كله مسوق على قوله: «من نام عن صلاة أو نسيها» والضمائر عائدة إليها فلا يجوز أن يخرج عن الإرادة ولا أن يحمل اللفظ ما لا يحتمله.
وتأويل لفظ الكفار هنا أقرب وأيسر من أن يقال: إن الكلام الدال على الشيء مدلول به على ضده فإن ذلك ممتنع وليس ظهور لفظ الكفارة في الإشعار بالذنب بالظهور القوي الذي يصادم به النص الجلي في أن المراد: الصلاة المنسية أو التي وقع النوم عنها وقد وردت كفارة القتل خطأ مع عدم الذنب وكفارة اليمين بالله مع استحباب الحنث في بعض المواضع وجواز اليمين ابتداء ولا ذنب.
5- عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل: كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.
اختلف الفقهاء في جواز اختلاف نية الإمام والمأموم على مذاهب أوسعها: الجواز مطلقا فيجوز أن يقتدى المفترض بالمتنفل وعكسه والقاضي بالمؤدي وعكسه سواء اتفقت الصلاتان أم لا إلا أن تختلف الأفعال الظاهرة وهذا مذهب الشافعي.
الثاني: مقابله وهو أضيقها وهو أنه لا يجوز اختلاف النيات حتى لا يصلي المتنفل خلف المفترض.
والثالث: أوسطها: أنه يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض لا عكسه وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ومن نقل عن مذهب مالك مثل المذهب الثاني فليس بحيد فليعلم ذلك.
وحاصل ما يتعذر به عن هذا الحديث لمن منع ذلك من وجوه:
أحدها: أن الاحتجاج به من باب ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم وشرطه: علمه بالواقعة وجاز أن لا يكون علم بها وأنه لو علم لأنكر.
وأجيبوا على ذلك بأنه يبعد- أو يمتنع- في العادة: أن لا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك من عادة معاذ واستدل بعضهم- أعني المانعين- برواية عمر بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة الزرقي: أن رجلا من بني سلمة يقال له: سليم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلي فيأتي معاذ بن جبل فينادي بالصلاة فنأتيه فيطول عليها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ لا تكن أو لا تكونن- فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك» قال: فقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ يدل على أنه عند رسول الله كان يفعل أحد الأمرين إما الصلاة معه أو بقومه وأنه لم يكن يجمعهما لأنه قال: «إما أن تصلي معي» أي ولا تصل بقومك: «وإما أن تخفف بقومك» أي ولا تصل معي.
الوجه الثاني: في الاعتذار: أن النية أمر باطن لا يطلع عليه إلا بالإخبار من الناوي فجاز أن تكون نيته مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرض وجاز أن تكون النفل ولم يرد عن معاذ ما يدل على أحدهما وإنما يعرف ذلك بإخباره.
وأجيب عن هذا بوجوه:
أحدها: أنه قد جاء في الحديث رواية ذكرها الدارقطني فيها: «فهي لهم فريضة وله تطوع».
الثاني: أنه لا يظن بمعاذ أنه يترك فضيلة فرضه خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي بها مع قومه.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» فكيف يظن بمعاذ- بعد سماع هذا- أن يصلي النافلة مع قيام المكتوبة؟.
واعترض بعض المالكية على الوجه الأول بوجهين:
أحدهما: لا يساوي أن يذكر لشدة ضعفه.
والثاني: أن هذا الكلام- أعني قوله: «فهي لهم فريضة وله تطوع»- ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون من كلام الراوي بناء على ظن أو اجتهاد ولا يجزم به وذكر معنى هذا أيضا بعض الحنفية ممن له شرب في الحديث وقال ما حاصله: إن ابن عيينة روى هذا الحديث أيضا ولم يذكر هذه اللفظة والذي ذكرها هو ابن جريج فيحتمل أن تكون من قوله أو قول من روى عنه أو قول جابر.